المرأة الناشز وأساليب التعامل معها
النُّشوز في اللغة : من نَشَزَ؛ أي النَّشْز والنَّشَزُ؛ وهو ما ارتفع من الأرض، ويُجمَع على أنشاز، ونشوز، ومن ذلك قول الله -تعالى-: (وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا)، أي انهضوا. النُّشوز في الاصطلاح الشرعيّ: النشوز كما قال علماء التفسير إمّا أن يكون من الزوجة، أو الزوج، أو كليهما، وتفصيله:
نشوز الزوجة :
هو عصيان الزوجة لزوجها، وامتناعها عن طاعته في ما أمرَ به وكان من المعروف، بامتناعها عن طلب زوجها لها للفراش، وخروجها دون إذنه، وعدم تربيتها ولده، وسائر حقوقه، ويُطلَق النُّشوز على المرأة الكارهة لزوجها، والتي لا تُحسن إليه في العِشرة.
نشوز الزوجة |
نشوز الزوج فهو:
أن يسيء الزوج عشرة زوجته، فيبغضها، ويهينها، ويؤذيها بالسبِّ أو الضرب، وأن يحرم زوجته من حقوقها، ويقلّص نفقتها بلا حق، ويترك مضاجعتها، ويتفاخر عليها بعلمه ونسبه، وأن يستعلي عنها إلى غيرها، فيؤثر غيرها عليها لبغضه وكراهته لزوجته. فكلّ ذلك داخلٌّ في مفهوم نشوز الزوج عند العلماء، قال -تعالى-: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ)، وقد يكون النشوز من كلا الزوجين، وهو كره الزوجين لبعضهما البعض، وهو ما يسمّى بالشقاق، قال -تعالى-: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا).
نشوز الزوج |
المرأة الناشز :
أي عصيان الزوجة لزوجها، له حالات عدّة؛ فإمّا أن يكون قولاً بالكلام؛ فقد تكون عادتها حُسن الكلام، وإجابة ندائه، فتصبح سيّئة الكلام، ولا تُجيب أمره وطلبه، وقد يكون النُّشوز فعلاً؛ كأن تُجيب الزوجةُ طلبَ زوجها كُرهاً وغَصباً، بعد أن كانت عادتها أن تُجيبَه بطلاقة الوجه، وقد تكون الزوجة ناشزاً قولاً وفعلاً،
مظاهر النُّشوز:
امتناع الزوجة عن زفافها إلى بيت زوجها، أو مَنعها لزوجها من الدخول إليها، وذلك بعد أدائه لمَهرها المُعجَّل. عدم تمكين الزوجة زوجَها من نفسها، وهو الحقّ الشرعي للزوج بمُوجب العقد الذي بينهما؛ إذ يحقّ للزوج الاستمتاع بزوجته دون وجود مخالفةٍ شرعيةٍ، أو عُذرٍ شرعيٍّ، وتجدر الإشارة إلى أنّ الفقهاء تعدّدت آرائهم في نشوز الزوجة في الحالة السابقة، وبيان ذلك فيما يأتي:
القول الأول :
ذهب جمهور العلماء من المالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية إلى أنّ عدم تمكين الزوجة لزوجها يُعتبر نشوزاً، وتسقط نفقة الزوجة به، ودليلهم فيما سبق قول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا دَعا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلى فِراشِهِ، فأبَتْ أنْ تَجِيءَ، لَعَنَتْها المَلائِكَةُ حتَّى تُصْبِحَ)، فلفظ الفراش الوارد في الحديث يدلّ على الجِماع.
مظاهر النشوز |
القول الثاني :
فرَّق الحنفية بين امتناع الزوجة عن زوجها إن كان في بيته، أو بيتها؛ فقالوا إن كان الامتناع في بيته؛ فلا تُعتبر الزوجة ناشزةً، ولا تسقط نفقتها، وإن كان في بيتها، فتنشز المرأة بفِعلها. الأولى: خروجها دون إذن زوجها، ودون عذرٍ شرعيٍّ؛ فإن خرجت تُعتبَر ناشزاً، وتسقط نفقتها عن زوجها. الثانية: خروجها دون إذن زوجها بعذرٍ شرعيٍّ؛ فلا تكون الزوجة في هذه الحالة ناشزاً، وفيما يأتي بيان بعض الأعذار الشرعيّة:
انهدام البيت، أو حريقه، أو دخول اللصوص المُسلَّحين إليه. مرض والدَيها في غياب زوجها. تهديد زوجها لها بالضرب. اضطرارها إلى الخروج؛ بسبب صاحب البيت، إن كان البيت ليس ملكاً للزوج. خروجها إلى القاضي؛ لطلب حقّها الشرعيّ، كالنفقة. قضاء الحوائج المعروفة في العُرف، إلّا إن وفّرها زوجها. الخروج للاستفتاء، وطلب العلم، والتفقُّه في الدِّين. سفرها لحاجةٍ ما؛ فإن سافرت الزوجة لتحقيق حاجةٍ ما لها، أو لغيرها دون إذن زوجها، فهي تُعَدّ ناشزةً، إن كان الزوج قد أدّى مهرها.
سفرها لأداء فرض الحجّ، وقد اختلف العلماء في حكم الزوجة إن سافرت لأداء فريضة الحجّ دون إذن زوجها، وبيان خلافهم فيما يأتي: لا تُعَدّ ناشزةً، ولا تسقط نفقتها عند المالكية، والحنابلة، وأبي يوسف من الحنفية. تُعَدّ ناشزةً عند الشافعية، وجمهور الحنفية. تُعَدّ ناشزةً إن كان امتناعها بغير حقٍّ، على أن يكون زوجها قد أدّى ما عليه من المهر، ويُؤمن عليها معه. لا تُعَدّ ناشزةً إن كان امتناعها بحقٍّ؛ مثل: عدم أداء الزوج مهرها، وعدم تحقُّق الأمان عليها في السفر معه، أو كانت عاجزةً لا تتوفّر لديها المقدرة على السفر.
تُعَدّ المرأة ناشزةً إن امتنعت عن الانتقال إلى مَسكنٍ شرعيٍّ مع زوجها بغير حقٍّ. لا تُعَدّ المرأة ناشزةً إن امتنعت عن مَسكنٍ غير شرعيٍ. تُعَدّ الزوجة ناشزةً إن حُبِست بسبب دَينٍ وَجَب عليها سداده، بحيث ماطلت في سداده مع امتلاكها المقدرة عليه، أمّا إن كانت محبوسةً ظلماً، فلا تسقط نفقتها، ولا تُعَدّ ناشزةً.
الأعذار الشرعية |
كيفية التعامل مع المرأة الناشز:
وضع الإسلام التشريعات التي تحفظ سعادة الزوجين والأسرة، كما حملت كثير من النصوص الشرعية توجيهاتٍ تهدف إلى صون الحقوق والواجبات بين الزوجين، حرصاً على استمرار الحياة بينهما على المودة والرحمة والسكينة. ومع ذلك تبقى العلاقات الزوجية عُرضة للخلافات، لذا يجدر بالزوجين أن يحرص كلّ منهما أن يبحث عن مواطن تقصيره بحقّ الآخر ويتفاداها، وقد وجّه الإسلام الزوج الذي ابتلي بنشوز زوجته إلى مجموعة من الحلول، حيث قال تعالى-: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)، وتفصيل المسألة فيما يأتي:
الموعظة الحسنة :
وهو الوعظ والإرشاد بالمحبّة والألفة والتذكير والنُّصح بالعواقب والمآلات والحقوق الواجبة على الزوجة تجاه زوجها.
التعامل مع الناشز |
الهجر:
وهو هجر الزوج لزوجته؛ ويكون بعد أن يستنفد الزوج كلّ الأساليب المتاحة بالوعظ الحسن وتذكيرها بعواقب نشوزها، وللهجر أشكال، منها: المضاجعة في الفراش، أو التعامل معها، وعدم الحديث معها لمدة لا تزيد ثلاثة أيامٍ، والغاية الشرعية من ذلك تتمثّل بتأديب الزوجة وإشعارها بخطورة تصرّفاتها، وليس بقصد إذلالها أو التعالي عليها، ويُشترَط في هجر الفراش ألّا يزيد عن مدّة أربعة أشهرٍ، وألّا يُؤدّي إلى أيّ مَفْسدةٍ.
الضرب :
ويتمّ اللجوء إليه إن تعذّر إصلاح وضع نشوز المرأة بالوسيلتَين السابقتَين، ولا يُقصَد من الضرب الإهانة، أو التحقير، أو التعذيب، أو التقليل من الشأن، أو الانتقام، ويُشترَط فيه ألّا يكون عنيفاً، وليس فيه إتلافٌ للنفس، أو لأحد الأعضاء، وألّا يُؤدّي إلى الكسر، أو التشويه، إضافة إلى ألّا يكون في مواضع جمال.
الهجر والضرب |
تعليقات
إرسال تعليق