القائمة الرئيسية

الصفحات

تفسير آية ( ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم)

 تفسير آية ( ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم)

سورة التكاثر

(لتسئلن يومئذ عن النعيم) :

ورد قوله تعالى: (لتسئلن يومئذ عن النعيم)، في سورة التكاثر في الآية الثامنة، وقد نزلت هذه السورة في مكة قبل الهجرة وكان حال المسلمين حينها في ضعف وقلة وفقر، فما كان منهم إلا أن سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- لما نزلت هذه الآية: عَن أَي النَّعيم نُسْأَل وَإِنَّمَا هما الأسودان والعدوّ حَاضر وسيوفنا على عواتقنا، فأجابهم النبي: (أما إِن ذَلِك سَيكون). وسورة التكاثر التي وردت فيها هذه الآية تتحدث بمجموعها عن النعم التي يغرق بها الإنسان، ويلهيه العمل على تكثيرها من مال وبنين، والمباهاة بها عن العمل للآخرة، فجاءت السورة منبهة إلى النهاية التي يتشاغل الإنسان عنها بالدنيا، وهذه النهاية هي المقابر، يقول الله تعالى في الآيات: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ* حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ)،

المقصود بالنعيم في الآية :

 فسر التابعون وغيرهم ممن ورد عنهم تفسير القرآن الكريم النعيم الوارد في الآية بالعديد من التفسيرات، وفيما يأتي أهمها:

فسر علي بن أبي طالب النعيم المسؤول عنه يوم القيامة والوارد في الآيات بالعافية والصحة. قال عبد الله بن عمر، في النعيم المسؤول عنه يوم القيامة إنه: الماء البارد في الصيف، وهو من النعم التي يخفى على المرء شكرها. قال أبو العالية الرِّياحيّ، في النعيم الوارد في قوله تعالى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ): إنه الإسلام، والستر، والإسلام أعظم النعيم، وهو سبب النجاة من النار. فسر سعيد بن جُبَيرالنعيم المسؤول عنه يوم القيامة بالصِّحَّة، وهو يشبه قول علي بن أبي طالب إنها العافية إلا أن العافية أشمل.



تفسير مجاهد بن جبر النعيم : 

المسؤول عنه يوم القيامة بالأمن، والصِّحَّة، وفي رواية أخرى رويت عنه فسره بكل شيء من لذة الدنيا. قال عكرمة مولى ابن عباس، في قوله تعالى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) إنه: الصِّحَّة، والفراغ، والمال. عن عامر الشعبي -من طريق عبد العزيز بن عبد الله- قال: النعيم المسئول عنه يوم القيامة: الأمن، والصِّحَّة، فالأمن من النعم التي تستوجب الشكر وبفضلها يستطيع المرء القيام بأنشطة الحياة المختلفة، وحتى العبادات والطاعات منها، والصحة من أهم النعم التي تعين الإنسان على القيام بشؤونه الدنيوية والأخروية، ومن حرمها حرم خيرًا كبيرًا.

تفسير آية (لتسئلن يومئذ عن النعيم) :

 توضح الآية الكريمة أن الإنسان يُسأل يوم القيامة عن النعم التي أنعم الله تعالى بها عليه، فشكر النعم جميعها من الأمور التي يُطالب بها الإنسان ليكون من الناجين من المساءلة والعذاب يوم القيامة، وقد يتقيد النعيم الذي يُسأل عنه يوم القيامة بالنعيم الذي يُلهي ويُشغل صاحبه عن العمل للآخرة والاستعداد لها. وقد حصر بعض المفسرين مقصود هذه الآية كفار ومشركي مكة خاصة، وقصروا المقصود بالسؤال عن النعيم يوم القيامة بالكافرين، الذين أنعم الله عليهم وما كان منهم إلا أن كفروا بالمنعم وعبدوا غيره.



أول شئ يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم :

 أوّل ما يُسأل عنه العبد من النعيم وارد في قول النبي -صلَّى الله عليه وسَلَّم-: (إنَّ أوَّلَ ما يُسأَلُ عنه يومَ القيامةِ -يعني العَبدَ- من النَّعيمِ أن يُقالَ له: ألم نُصِحَّ لك جِسْمَك ونَروِيَك من الماءِ الباردِ)؛ فيسأل الله -تعالى- عباده يوم القيامة عن النعيم بعد أن وجدوا الصحّة في أجسامهم، ووفَّر لهم الماء الذي لا تُتصوِّر الحياة بدونه، وأعطاهم ألوان النعيم المختلفة من الصحّة والفراغ والنوم وغيرها الكثير، وليس هناك لذّة يتلذّذ بها الإنسان في الدنيا إلّا سيسأله الله -تعالى- عنها، ويُقسّم النعيم إلى ضروريات وكماليات، ومن الناس من لا يشعر أنَّ شربة الماء ولقمة الطعام من النعم التي تستوجب الشكر، ويظن أنَّ النعم تظهر في القصور الفاخرة والمراكب الفارهة ولا شكَّ أنَّ هذا القياس لا يصح؛ فمن كان له مسكن يسكن فيه وأهل يأوي إليهم ولقمة الطعام فهو من أغنياء، ومن النعم التي وردت في الحديث الشريف ويُقصّر الناس في شكرها نعمتيّ: (الصِّحَّةُ والفَراغُ).



أول شئ يسأل عنه الانسان يوم القيامة من حقوق العباد :

 أوّل ما يُقضى به بين العباد يوم القيامة الدماء؛ لقول النبيّ -عليه السلام-: (أوَّلُ ما يُقْضَى بيْنَ النَّاسِ يَومَ القِيامَةِ في الدِّماءِ)، ولا يتعارض هذا الحديث مع حديث سؤال العبد عن الصلاة؛ لأنَّ السؤال عن الصلاة هو أوّل ما يُسأل عنه العبد في حقّ الله -تعالى-، أمَّا السؤال عن الدماء فهو أوّل ما يُسأل عنه العبد في حقِّ الناس، وهناك فرقٌ آخر يظهر في كون الصلاة من المأمورات، أمّا الدماء فهي من المنهيّات، وفي ذلك تعظيمٌ لحرمة الدماء في الإسلام وإشارة إلى عِظم جناية وجُرم من يتعدّى عليها؛ والابتداء بالدماء يقصد منه لفت الأنظار إلى أهميّتها؛ فهي من أعظم المفاسد، ومن أعظم الذنوب وقد ورد في هذا الشأن الكثير من الآيات الكريمة والأحاديث النبويّة؛ كقوله -تعالى-:(مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)؛  فقد جعل الله -تعالى- قتل النفس الواحدة كقتل الناس جميعاً.

وقد قامت الشريعة الإسلامية على مجموعة من الأُسس التي تهدف إلى الاعتناء بمصالح العباد، و بالضروريات الخمس وهي حفظ الدين والنفس والعرض والمال والنسل، وحرمة الدماء لا تقتصر على المسلمين فقط وإنّما يدخل فيها غير المسلمين من المستأمنين والذميّين والمعاهدين أيضاً.



هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

العنوان هنا